*شعلان أبو الجون*بطل الشراره الأولى لثورة العشرين...
العراقيون الأباة ومنذ خلقوا لا يعرفون للحياة طعما بدون الحرية والكرامة , حتى أن هذا المبدأ قد تشبعوا به ونهلوه مع حليب الطفولة من أثداء أمهاتهم , لنقف الآن ونستذكر رجلا قام بفعل خلده وكتب اسمه في سجل الخالدين من أبناء الرافدين الذين ضحوا بالغالي والنفيس من اجل رفع هذا الوطن وترصين حريته وبناء كرامته ... ففي الأول من حزيران عام 1920 م قامت مجموعة من الرجال من ( من فخذ الظوالم ) من (عشيرة بني حجيم ) بالدخول إلى سراي السلطة الانكليزية في مدينة الرميثة لإطلاق سراح شيخهم ( شعلان ابو الجون ) الذي اعتقلته قوات الاحتلال الانكليزي , بعد ما أكدت التقارير السرية للاستخبارات البريطانية ان هناك تحركا ورفضا لدى شيوخ المنطقة ضد الاحتلال الانكليزي الغاشم وان هؤلاء الشيوخ ربما بين عشية وضحاها سيرفعون السلاح بوجه قوات الاحتلال , لا سيما بعد ان أفتى الشيخ المجتهد محمد تقي الشيرازي فتواه الأخيرة والتي نصت على ان : (( مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين , ويجب عليهم ضمن مطالباتهم رعاية السلم والأمن ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الانكليز من قبول مطالبهم )) ... وسرعان ما انتشرت هذه الفتوى كالنار في الهشيم , فقد حملها رسل الثورة والتحرر في أنحاء العراق عموما والفرات الأوسط خصوصا ... وبدأت رياح الشؤم تلوح في المنطقة ... وكان للانكليز المحتلين ضربتهم الاستباقية للأحداث , اعتقلوا الشيخ ( شعلان ابو الجون ) وآخرين في نفس السياق والتوجه ... ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ... وكان هذا الاعتقال وبالا عليهم لقد أسفر اقتحام السراي وتحرير الشيخ عن مقتل شرطيين انكليزيين ومهاجمة دار الحاكم السياسي للرميثة الذي اعتصم مع بقية أفراد الحامية الانكليزية في السراي ... فخرج ( شعلان ابو الجون ) رافعا رأسه محاطا بأعداد كبيرة من الأبطال الذين قام بعضهم بقلع سكة الحديد جنوب الرميثة وشمالها ... في الوقت الذي قامت فيه عشائر أخرى بمحاصرة الحامية البريطانية في السماوة ... وهاجموا القطار القادم من البصرة باتجاه بغداد فاضطروه إلى الرجوع وشدد ( الشيخ شعلان ) حصاره على الرميثة بقوة , هنا ... وتحت ضغط الجوع ... والخوف قامت القوات البريطانية المحاصرة في المدينة بالهجوم الوحشي على أسواق المدينة ونهبها والاستيلاء على كل ما موجود فيها من طعام , قامت بكل ذلك تحت حماية الطائرات والنجدات البرية التي ما انفكت تتوالى في هجومها على المحاصرين فتحا لحصارهم المضروب ... وبع ان دفع الانكليز المحتلون أكثر من ثلاثة ضباط قتلى و 323 جنديا هنديا ومئات الجرحى تمكنوا من فك الحصار عن الحامية المحاصرة التي فقدت هي الأخرى أكثر من 148 رجلا بين قتيل وجريح ... وأمسى فكهم للحصار وسيلة للهروب والهزيمة من ساحة القتال ... ساحة مواجهة أبطال العراق المطالبين بحريتهم واستقلالهم وكرامتهم . وعلى الرغم من هذا النجاح الشكلي والوقتي للقوات الانكليزية , لم يتمكنوا من الصمود في الرميثة أكثر من يوم واحد فقط ... بعدها انسحبوا هاربين من ساحة المعركة , يذكر ان أهم الوقائع التي وقعت بين الثوار وقوات الاحتلال الانكليزي حدثت في المنطقة المسماة بـ ( العارضيات ) التي تبعد نحو ستة أميال عن مدينة الرميثة ... والشجاعة النادرة والتنسيق المتقن جعل المحتلين الانكليز في حيرة من أمرهم مما دعا الى ان يقنعوا أنفسهم بأوهام لا صحة لها , وهي ان الأتراك كانوا يخططون للثوار ويساعدونهم ... وهذا الاتهام الباطل لا أساس له من الصحة ... فالعراقيون أصحاب خبرة في فنون القتال من الصعب جدا ان يتصور المحتلون ان في العراق رجالا يضحون بالغالي والنفيس من اجل هذا الوطن , رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه , فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا , كما جاء في قراننا الكريم , لقد عاند المحتلون وكابروا ورفضوا الاعتراف بهذه الحقيقة , فأدمغتهم كانت معبأة بجملة فرضيات مغلوطة أساسها : ان أبناء العراق من شماله الى جنوبه سيرحبون ترحيبا حارا بالمحتلين , إضافة الى أنهم أناس بسطاء لا يعرفون أي شيء عن مقاييس الحياة , فهم وحسب تصورهم لا يفرقون بين الحرية والعبودية ... بين التركي المحتل والانكليزي المحتل ... هذا ما صورهم لهم جواسيسهم المنتشرون في الساحة العراقية قبل الاحتلال وبعده من ( لورنس ) الى ( فليبي ) الى ( مس بيل ) ... لقد وقع المحتلون في الفخ من سعة علمهم واطلاعهم ومعلوماتهم اللوجستية التي لا حدود لها ... ومع كل قدراتهم التقنية تلك التي كانوا يمتلكونها في ذلك العصر ... لقد فتحوا أبواب جهنم بفعلتهم ... الشيخ شعلان ابو الجون كان رجلا ... لكن هذا الرجل كان العراق كله امتداد له من الموصل وحتى البصرة ومن السليمانية وحتى الرمادي , يا لغباء غباء المحتلين حينما سحبوا العراق كله في هذا الرحل ... كانت ( حسجة ) هذا الشيخ أعمق من كل مفردات البلاغة من كناية وتشبيه واستعارة , لم تكن صعبة عليه إرسال رسالة الى العراقيين من أبناء العراق ... وبيد من ؟ أنها بيد الحاكم الانكليزي المحتل ... أوصلها هذا الحاكم فورا ودون ان يدري , قال الشيخ للحاكم :
-أريد ( عشر ليرات ) ذهبية في اليوم الفلاني , أنا بحاجة لها .
وكان له ما أراد , عرف الرجال ان شيخهم أراد عشرة رجال أشداء كي يطلقوا سراحه في اليوم الفلاني ... وكان ما كان ... امتلأت بساتين الرميثة وقراها ... ومنها كل قرى العراق ... فها هو العراقي الشريف يعود من جديد حاملا رايات الكفاح والتحرر ,ففتوى الشيخ الشيرازي ترنّ في أذان الجميع :
- هيا الى الجهاد ... هيا الى خير العمل .
الصرخة المدوية ... كانت صرخة كل العراقيين ومنهم الشيخ شعلان , صرخة امتدت في أرجاء العراق من أقصاه ... الى أقصاه , ترددت أصداؤها في الهور والجبل والوادي , عندها عرف المحتلون ان في العراق شعبا لا يرتضي الضيم , وانه شعب عربي أصيل متمسك بقيمه وثقافته تمسكه بوحدته وأخوته وتآلفه ... فهو نسيج واحد ... نسيج غير قابل للتجزئة أو التقسيم .
تحياتي لكم
العراقيون الأباة ومنذ خلقوا لا يعرفون للحياة طعما بدون الحرية والكرامة , حتى أن هذا المبدأ قد تشبعوا به ونهلوه مع حليب الطفولة من أثداء أمهاتهم , لنقف الآن ونستذكر رجلا قام بفعل خلده وكتب اسمه في سجل الخالدين من أبناء الرافدين الذين ضحوا بالغالي والنفيس من اجل رفع هذا الوطن وترصين حريته وبناء كرامته ... ففي الأول من حزيران عام 1920 م قامت مجموعة من الرجال من ( من فخذ الظوالم ) من (عشيرة بني حجيم ) بالدخول إلى سراي السلطة الانكليزية في مدينة الرميثة لإطلاق سراح شيخهم ( شعلان ابو الجون ) الذي اعتقلته قوات الاحتلال الانكليزي , بعد ما أكدت التقارير السرية للاستخبارات البريطانية ان هناك تحركا ورفضا لدى شيوخ المنطقة ضد الاحتلال الانكليزي الغاشم وان هؤلاء الشيوخ ربما بين عشية وضحاها سيرفعون السلاح بوجه قوات الاحتلال , لا سيما بعد ان أفتى الشيخ المجتهد محمد تقي الشيرازي فتواه الأخيرة والتي نصت على ان : (( مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين , ويجب عليهم ضمن مطالباتهم رعاية السلم والأمن ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الانكليز من قبول مطالبهم )) ... وسرعان ما انتشرت هذه الفتوى كالنار في الهشيم , فقد حملها رسل الثورة والتحرر في أنحاء العراق عموما والفرات الأوسط خصوصا ... وبدأت رياح الشؤم تلوح في المنطقة ... وكان للانكليز المحتلين ضربتهم الاستباقية للأحداث , اعتقلوا الشيخ ( شعلان ابو الجون ) وآخرين في نفس السياق والتوجه ... ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ... وكان هذا الاعتقال وبالا عليهم لقد أسفر اقتحام السراي وتحرير الشيخ عن مقتل شرطيين انكليزيين ومهاجمة دار الحاكم السياسي للرميثة الذي اعتصم مع بقية أفراد الحامية الانكليزية في السراي ... فخرج ( شعلان ابو الجون ) رافعا رأسه محاطا بأعداد كبيرة من الأبطال الذين قام بعضهم بقلع سكة الحديد جنوب الرميثة وشمالها ... في الوقت الذي قامت فيه عشائر أخرى بمحاصرة الحامية البريطانية في السماوة ... وهاجموا القطار القادم من البصرة باتجاه بغداد فاضطروه إلى الرجوع وشدد ( الشيخ شعلان ) حصاره على الرميثة بقوة , هنا ... وتحت ضغط الجوع ... والخوف قامت القوات البريطانية المحاصرة في المدينة بالهجوم الوحشي على أسواق المدينة ونهبها والاستيلاء على كل ما موجود فيها من طعام , قامت بكل ذلك تحت حماية الطائرات والنجدات البرية التي ما انفكت تتوالى في هجومها على المحاصرين فتحا لحصارهم المضروب ... وبع ان دفع الانكليز المحتلون أكثر من ثلاثة ضباط قتلى و 323 جنديا هنديا ومئات الجرحى تمكنوا من فك الحصار عن الحامية المحاصرة التي فقدت هي الأخرى أكثر من 148 رجلا بين قتيل وجريح ... وأمسى فكهم للحصار وسيلة للهروب والهزيمة من ساحة القتال ... ساحة مواجهة أبطال العراق المطالبين بحريتهم واستقلالهم وكرامتهم . وعلى الرغم من هذا النجاح الشكلي والوقتي للقوات الانكليزية , لم يتمكنوا من الصمود في الرميثة أكثر من يوم واحد فقط ... بعدها انسحبوا هاربين من ساحة المعركة , يذكر ان أهم الوقائع التي وقعت بين الثوار وقوات الاحتلال الانكليزي حدثت في المنطقة المسماة بـ ( العارضيات ) التي تبعد نحو ستة أميال عن مدينة الرميثة ... والشجاعة النادرة والتنسيق المتقن جعل المحتلين الانكليز في حيرة من أمرهم مما دعا الى ان يقنعوا أنفسهم بأوهام لا صحة لها , وهي ان الأتراك كانوا يخططون للثوار ويساعدونهم ... وهذا الاتهام الباطل لا أساس له من الصحة ... فالعراقيون أصحاب خبرة في فنون القتال من الصعب جدا ان يتصور المحتلون ان في العراق رجالا يضحون بالغالي والنفيس من اجل هذا الوطن , رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه , فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا , كما جاء في قراننا الكريم , لقد عاند المحتلون وكابروا ورفضوا الاعتراف بهذه الحقيقة , فأدمغتهم كانت معبأة بجملة فرضيات مغلوطة أساسها : ان أبناء العراق من شماله الى جنوبه سيرحبون ترحيبا حارا بالمحتلين , إضافة الى أنهم أناس بسطاء لا يعرفون أي شيء عن مقاييس الحياة , فهم وحسب تصورهم لا يفرقون بين الحرية والعبودية ... بين التركي المحتل والانكليزي المحتل ... هذا ما صورهم لهم جواسيسهم المنتشرون في الساحة العراقية قبل الاحتلال وبعده من ( لورنس ) الى ( فليبي ) الى ( مس بيل ) ... لقد وقع المحتلون في الفخ من سعة علمهم واطلاعهم ومعلوماتهم اللوجستية التي لا حدود لها ... ومع كل قدراتهم التقنية تلك التي كانوا يمتلكونها في ذلك العصر ... لقد فتحوا أبواب جهنم بفعلتهم ... الشيخ شعلان ابو الجون كان رجلا ... لكن هذا الرجل كان العراق كله امتداد له من الموصل وحتى البصرة ومن السليمانية وحتى الرمادي , يا لغباء غباء المحتلين حينما سحبوا العراق كله في هذا الرحل ... كانت ( حسجة ) هذا الشيخ أعمق من كل مفردات البلاغة من كناية وتشبيه واستعارة , لم تكن صعبة عليه إرسال رسالة الى العراقيين من أبناء العراق ... وبيد من ؟ أنها بيد الحاكم الانكليزي المحتل ... أوصلها هذا الحاكم فورا ودون ان يدري , قال الشيخ للحاكم :
-أريد ( عشر ليرات ) ذهبية في اليوم الفلاني , أنا بحاجة لها .
وكان له ما أراد , عرف الرجال ان شيخهم أراد عشرة رجال أشداء كي يطلقوا سراحه في اليوم الفلاني ... وكان ما كان ... امتلأت بساتين الرميثة وقراها ... ومنها كل قرى العراق ... فها هو العراقي الشريف يعود من جديد حاملا رايات الكفاح والتحرر ,ففتوى الشيخ الشيرازي ترنّ في أذان الجميع :
- هيا الى الجهاد ... هيا الى خير العمل .
الصرخة المدوية ... كانت صرخة كل العراقيين ومنهم الشيخ شعلان , صرخة امتدت في أرجاء العراق من أقصاه ... الى أقصاه , ترددت أصداؤها في الهور والجبل والوادي , عندها عرف المحتلون ان في العراق شعبا لا يرتضي الضيم , وانه شعب عربي أصيل متمسك بقيمه وثقافته تمسكه بوحدته وأخوته وتآلفه ... فهو نسيج واحد ... نسيج غير قابل للتجزئة أو التقسيم .
تحياتي لكم